بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 17 نوفمبر 2009

ما الشعر؟


ما الشعر؟

 إن كنت تبحث عن تعريف للشعر - في هذه المقالة – من ذلك النوع الذي يسميه القدماء جامعا مانعا، فأنت على الأرجح ستشعر بالإحباط بعد القراءة، ليس في نيتي صياغة تعريف، فتعريف الشعر يتسم بتعددية ضخمة، وما سأقوم به هو وَعْيَنَة هذه التعددية، أعني نقلها من دائرة اللاوعي إلى دائرة الوعي.
يقفز نقاش ساخن بين اثنين، وفي دمائمها تسري معززات أدرينالية لتأجيح جذوة النقاش، الشعر هو كذا وكذا فيرد الآخر بل هو كذا وكذا، هناك أنصار الكلاسيكية وهناك أنصار الحداثة، ويستمر النقاش ويتكرر في اليوم التالي، لم يصل أحد منهم إلى اتفاق، ذلك أن الشعر عصيٌّ على التعريف دائما، كما هو طيّعٌ للأهواء والرغبات دائما.

يرى البعض أن الشعر هو الهادف، والآخر يرى في العبث ضرورة، وعند العاشق الشعر هو الغزل، والطامح يرى الشعر في الحماسة، ويرى آخر أن شعر الفكاهة لا يستحق اسم الشعر، فيما تعلو صيحات الجماهير عند قراءته، يرى الشاعر الوجودي في الشعر مَسْربا إلى خفايا الذاتِ وأسرار الآباد، فيما يصل البعض إلى بواطن اللذة من خلال ترديد الأهازيج الشعبية، وفي أعماق الوجد يذوب مريد صوفي يردد أوراد جلال الدين الرومي.
ليس الشعر الوزن والقافية، ليس الشعر الصورة، ليس الشعر الحكمة العميقة، ليس الشعر الموسيقى الداخلية، ليس الشعر البلاغة، ليس الشعر السحر، ليس الشعر اللغة، ليس الشعر المعنى، ليس الشعر النثر، ليس الشعر الحكاية، ليس الشعر الأهزوجة، ليس الشعر الأغنية، ليس الشعر كل ذلك ، لكن الشعر هو كل ذلك أيضا.
إن مجرد محاولة الوصول إلى تعريف مشترك يتفق عليه الناس حول الشعر من المستحيلات، بالطبع كل منا يمتلك تعريفا للشعر، قد يحسن التعبير عنه أو قد تخونه الكلمات، تعبرنا تلك الشحنات المركّزة التي تطلقها الكلمات من عقالها، لكن لكل منا شحناته ولذاته، ورغباته وأوهامه، تدخل عوامل الثقافة والعوامل النفسية كعوامل حسم، وتبرز العادات اللغوية كطرق خفية تقودنا إلى مباهج اللذة اللغوية، وترسم نظرتُنا للوجود وفهمنا للأشياء من حولنا خياراتنا الشعرية.
بين الشاعر والمتذوق تنشأ علاقة تلقٍ سرية، يصنع الشاعر الرسائل والإشارات  فيما  يشرع المتلقي في فك هذه الشفرات، ويبصرها بقدر ما يمتلك هو من طاقات وآلات، يتقاطع مع الشفرة أو ينفر منها، يصنع هو فهما خاصا للشعر وينمو هذا الفهم معززا بالتجارب ومُنارا بالعلاقات الحميمة التي يقيمها مع الأشياء في الماحول، ثم إذا قيل له هذا هو الشعر، قال الشعر شيء آخر عرفته وخبرته ، ليس الشعر كما تقولون.
وهكذا عندما يقول أحدهم ولى زمن الشعر، ومات الشعراء، يجب أن نسأله : ما الشعر؟ وما الشعراء؟ من المؤكد أنه صادق القلب فيما يقول، لكن على الأرجح من مات هم شعراؤه هو، وما حدث هو أنه ليس في الأحياء من يقول الشعر كما يتصور هو الشعر.
الشعر كائن يتسرب إلى كل الطبقات، فهناك شعر للفقراء وشعر للأغنياء، وهناك شعر للمثقفين وشعر للرجل العادي، هناك شعر للملوك وشعر لأطفال الشوارع، هناك شعر للفقهاء وشعر للنحويين وشعر للفلاسفة وشعر للبدو وشعر لسكان الحواضر، هناك شعر للمُجّان وأهل اللهو وشعر للعُبّاد وأهل الطرائق، هناك شعر إنجليزي وفارسي وعربي وروسي، هناك شعر أسود وشعر أبيض وشعر ملوّن، هناك شعر يُكتب، وشعر يُقرأ، وشعر يُغنّى، وشعر يُنشد، وشعر يُدندن، وشعر يُتمتم، وشعر يُهمس، هناك شعر يحيى وشعر يموت، هناك شعر يتكدس فوقه الغبار وشعر يكتب في الواجهات الأكثر إضاءة، هناك شعر يُدرّ الأموال وهناك شعر يحصد رأس صاحبه.وإذاً عندما يقال مات الشعر، فأي شعر مات؟.
المجتمع مجتمعات، هناك مجتمع لرجال الدين، وهناك مجتمع للسماسرة، وهناك مجتمع للتجّار، هناك مجتمع للكتّاب، ومجتمع للسياسة والإدارة، في داخل كل مجتمع صغير ينشغل الأعضاء بتفاصيل مجتمعهم، ويحدث غالبا أن تنشأ طبقية بين هذا المجتمع الصغير وبقية المجتمع الأكبر، فيكون أعضاؤه من الخاصة والآخرين من العامة، فهذا فقيه وذاك من العوام، وهذا مثقف وذاك رجل شارع، وهذا يمتلك شركتين وذاك مجرد رجل عادي، وهي طبقية ضرورية، لترابط المجتمع الصغير ونموه، والذي بدوره يخدم المجتمع الأكبر، تتداخل المجتمعات الصغيرة في بعضها، ويمنح البعض عضوية في أكثر من واحد، ويستمتع البعض بنوعين من الشعر.
في مجتمع الكتابة مثلا، تُغلق حدقة الرؤية أجفانها عن كل أدب يكتب أو يقال خارجه، فالشعر هو ما يكتبه هذا المجتمع، وهكذا لا يستطيع رجل الشارع كتابة الشعر وما يكتبه ليس شعرا، وهكذا يموت الشعر عادة بعد رجال المعلقات، ويموت بعد المتنبي وبعد شوقي وبعد درويش، حتى لو كان البدو في الصحارى لا يدسون في رواحلهم هجائيات كافور ولا الشوقيات ولا سرير الغريبة، متعة الشعبي بأغنية لراشد الماجد أو نانسي عجرم هي متعة مزورة فيما الاستمتاع برباعيات الخيام هي المتعة الحق، لست أصادر عليه هذه المتعة بل أشاركه فيها، غير أنني لا أملك القوة على مصادرة متع الآخرين بأي شعر مُغنّى، من أي ثقافة وبأي رؤية كانت، وأتمنى عليك قاريء العزيز أن توافقني فيما أقول.

وإذاً يتوسع معنى الشعر أو لنقل تعاريف الشعر ليشمل كل ما ينشد ويغنى، ولست أنا الملوم على اعتيادك الشعر باعتباره ما كان عربيا فصيحا ومكتوبا بحبر شهد له النُقّاد في الأصقاع، الشعر يتسع للعالم والجاهل، هل أخبرتك أن الأميين يستمعون للشعر فينتشون أيضا، لست الملوم إن كان لا يتوفر في قلبك متسع للإعتراف بوجود كائن آخر يعشق الشعر الذي لا تسميه شعرا، ولا تقرّه ولا تقرأه.
ينتشر الشعر في القنوات الفضائية، وينتشر في الأشرطة والأقراص، وفي الشبكات العنكبوتية، وفي أجهزة المحمول، في أجهزة الراديو وفي السيارات والطائرات، في القصور العالية وفي الأكواخ القصية، يتفوق على كل نشاط لغوي آخر أنتجه الإنسان، وتتشارك فيه حيوات تفصلها مئات الكيلومترات، وبشهادة الشيخ الأصفهاني يصبح الغناء شكل من أشكل الشعر، عندما تقول مات الشعر، فكّر قليلا قد تكون واقعا تحت وطأة مجتمعك الصغير الذي لا يكشف لك الصورة كاملة.
تميل الجموع إلى الحسي والمباشر، وتذوب في الجماعة كل الأصوات الصغيرة ، للجموع عقلها الخاص ووعيها المشترك، ومن هنا ينشأ الشعبي، ويزدهر ، ويصبح هو الصوت، وبقدر ما تتحدد علاقات هذا العقل وقوانينه يتحدد الشعر الأكثر ذيوعا، وبقدر ما ينمو هذا الوعي ينمو معه حس مختلف بالأشياء.

في القرن العشرين بدأ عصر مختلف، عصر انفجار معرفي، تتكاثر المعلومات فيه كالبكتيريا، وتنمو باطراد في جميع الجهات، ثم حدثت ثورة اتصال فائق، وبدأت المعلومات والمعارف تسبح في أنفاق خاصة إلى كل بقعة على الأرض، وخارج الأرض أيضا، إنه زمن خارق، يعزز من نشوء المجتمعات الصغيرة، ويصل بينها، وهكذا تصبح التعددية في المجتمع الجغرافي الواحد أمرا أكثر كثافة، والهوة أكثر عمقا، وينعكس ذلك على الشعر، ينشأ في كل مجتمع شعره الخاص، ومباهجه المختلفة، وعليه يصبح من الضروري أن نقبل الاختلاف والمختلفين، لم يعد من المنطقي التفكير برؤية واحدة، وافتراض أن لا شيء سواها، ولا صحيح إلا هي، لا يُفترض بك أن تؤمن بفكرتين متناقضتين، احتفظ بواحدة وأقبل فكرة أن آخرين قد يعيشون بالفكرة الأخرى، ليس الأمر معقدا، وخصوصا عندما يتعلق الأمر بالشعر.

الاثنين، 16 نوفمبر 2009

ضحوا يقبل الله ضحاياكم






ضحوا يقبل الله ضحاياكم 


روى البخاري في كتاب أفعال العباد، وابن أبي حاتم في كتاب السنة، وغير واحد ممن صنف في كتب السنة أن خالد بن عبد الله القسري خطب الناس في عيد أضحى فقال: أيها الناس، ضحوا يقبل الله ضحاياكم، فإني مضح بالجعد بن درهم، إنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا، ولم يكلم موسى تكليما، تعالى الله عما يقول الجعد بن درهم علوا كبيرا، ثم نزل فذبحه في أصل المنبر.

ولاحقا قال ابن القيم في النونية:
ولأجل ذا ضحى بجعدٍ خالدُ الـ قسري يوم ذبائح القربان
لقد شكر الضحية كل صاحب سنة لله درك من أخي قربان

الاثنين، 9 نوفمبر 2009

السنة : الوحي والحكمة


السنة : الوحي والحكمة

صدر حديثا جدا عن مكتبة الغبيراء كتاب السنة : الوحي والحكمة بعنوان فرعي : قراءة في نصوص المدرسة الإباضية، في جزئين، عمل على تحبيره ثلاثة مؤلفين هم خميس العدوي و زكريا المحرمي وخالد الوهيبي.
تكمن أهمية الكتاب في محاولته إعادة تأسيس وإحياء فهم مغمور للإسلام عامة وللتيار الإباضي خاصة، يفتح هذا الفهم آفاق الإبداع البشري بعد أن أغلقته نصوص مرافقة للشريعة أصبحت هي الشريعة لاحقا. يمكن اعتبار هذا الكتاب حلقة في سلسلة التنوير والاصلاح الفكري في الوطن، نتمنى تواصل حلقاتها.
ليست هذه قراءة للكتاب، وإنما هي مباركة لهم ولنا نحن العمانيين على مثل هذا العمل.

الجمعة، 30 أكتوبر 2009

في ضيافة الحارة العمانية


شرفتني الحارة باستضافتها الكريمة خلال الاسبوع المقبل
سأترك المدونة لأقضي بضعة أيام هناك ثم أعود
سأكون في هذا الرابط

التوقيع: عبدالله

الأحد، 25 أكتوبر 2009

عناصر نظرية التطور (6)


عناصر نظرية التطور (6)
الآليات العشوائية للتطور

العنصر السادس والأخير هو الآليات العشوائية للتطور، بالآليات العشوائية نقصد الآليات التي لا تخضع لانتخاب الطبيعة، حيث إن تغيرات طفيفة في نسب الجينات تحدث نتيجة عملية التكاثر وتظهر في النسل اللاحق، وهذا يؤدي إلى تغيرات تطورية، لا تبدو لي الفكرة واضحة كثيرا، لكن المؤلف يذكر في أنه سيعمل على شرح "الانحراف الوراثي" الذي يؤثر في المجموعات الصغيرة.




نسب الجينات أعني بها التالي: إذا كان نسبة الجين (أ) في مجموعة ما هو 20% في الجيل الأول، فإنه يمكن أن تكون 10% أو  25% في جيل لاحق نتيجة التكاثر، وبالتالي فإن زيادة هذه النسبة أو نقصانها يؤثر في خواص هذه المجموعة.
لنترك هذه الفكرة للمستقبل إذاً .


السبت، 24 أكتوبر 2009

عناصر نظرية التطور (5)


عناصر نظرية التطور (5)



 فكرة الانتخاب الطبيعي يمكن تلخيصها في التالي : إذا اختلف أعضاء النوع الواحد في تركيبتهم الجينية، وكانت اختلافات الفئة (أ) تمنحها قدرة أكثر على البقاء والتكاثر مقارنة بالفئة (ب)، فإن الفئة (أ) ستنتج أطفالا أكثر في الجيل التالي ، وبعد عدة أجيال سيصبح النوع أكثر قدرة على االبقاء والتكاثر، ومع ظهور الطفرات الجينية تقوم الطبيعة بانتخاب الأصلح للبقاء، وهكذا نلاحظ أن الانتخاب الطبيعي يفسر لنا سر توافق الكائنات الحية مع الطبيعة من حولها.
يمكن أن تكون الأجنحة الأولى لا تطير وإنما تساعد على القفز للهرب من الخطر، الجناح الصغير جدا يساعد على القفز أعلى متر مثلا، وعند ظهور جناح أكبر قليلا نتيجة طفرة ما فإنه يساعد على القفز متر ونصف مثلا مما يساعد على زيادة فرص النجاة، وبالتالي وجود عمر كاف لإنتاج الصغار القادرين على القفز أكثر، وهكذا تمكنت الأنواع التالية من الطيران (المثال ليس من الكتاب).
لاحظ العلاقة بين الطفرة والطبيعة، فالجين تنتابه تغيرات، وهذه التغيرات تؤثر على خواص الجسد الحي، والطبيعة "تختار" من يمكنه مواصلة الحياة ومن يمكن إقصاؤه، وقد تظهر طفرات عديدة لكنها لا تستمر بسبب الرقيب الطبيعي من الخارج.

الأربعاء، 21 أكتوبر 2009

عناصر نظرية التطور (3 ، 4 )


عناصر نظرية التطور (3 ، 4 )
التناوع والسلف المشترك
 من المثير للإهتمام أن الكائنات الحية على تعددها وتنوعها تمتلك سمات مشتركة، فأنا وأنت والفيلة والذباب نستخدم الطرائق البيوكيميائية ذاتها في توليد الطاقة اللازمة للجسم، والشفرة الوراثية (الدنا) الخاصة بكل منا تتكون من الأحرف الأربعة ذاتها، والتي تولد البروتين بنفس الآليات، إن ذلك يشير إلى أن سلفا مشتركا أورثنا هذه السمات أو الوظائف، لكن ما سبب هذا التنوع الكثيف بين الكائنات الحية، ألا يفترض بها أن تكون جنسا واحد شديد التشابه؟ ذلك يمكن تفسيره من خلال العنصر الثالث من النظرية، الانفصال إلى أنواع، ما أسميناه سابقا بالتناوع (speciation) .




لنتأمل الرسم التوضيحي، فالنقطة (س) ثمثل سلفا مشتركا بين الزواحف الحديثة والطيور، النقطة (س) تمثل زاحفا بدائيا تفرع مع تقادم الزمان إلى الأنواع المبينة في الرسم، ويسمى هذا السلف بالرابط المفقود (missing link) بين السلالات اللاحقة، هناك أيضا رابط مفقود آخر بين الديناصورات والطيور في النقطة (ص) والذي يربط بين الديناصورات ثنائية الأقدام آكلة اللحوم وبين النعام والعصفوريات، والمؤلف يقول أنه سيتحدث مستقبلا عن الديناصورات ذات الريش التي ترجح صحة الرابط (ص).
لنتذكر عنصر التدرج، فالاختلافات البسيطة تبدأ بالظهور أكثر فأكثر عبر مئات أو ملايين السنين حتى يظهر عندنا نوعان مختلفان، لكن متى نقول انهما نوعين مختلفين فعلا؟ عندما يتعذر التكاثر بينها، يختفي التجاذب الجنسي مثلا أو يكون النسل الناتج عقيما (البغال)، أو الإزهار في مواسم مختلفة بالنسبة للنباتات.إن زيادة عدد الأنواع على الأرض يزيد من فرص بقاء الحياة على الأرض.

السلف المشترك هو الوجه الآخر للتناوع بمعنى أنه عوض النظر إلى النوع بأنه سيتفرع إلى أنواع ، ننظر إلى نوعين باعتبارهما يتحدران من نوع واحد وذلك من خلال تتبع قطع الشفرات الوراثية أو المتحجرات.

السبت، 17 أكتوبر 2009

عناصر نظرية التطور (2)


عناصر نظرية التطور (2)
التدرج Gradualism
 التدرج يعني أن التغير يحتاج إلى تعاقب العديد من الأجيال، نحتاج إلى مئات أو آلاف أو ملايين الأجيال حتى نشاهد تطورا مثل تطور الطيور من الزواحف، وكذلك فإن ظهور وظائف جديدة مثل الأسنان والفك وهي الوظائف التي تميز الثديات عن الزواحف تحتاج إلى عدد هائل من الأجيال.
تخيل كائنا يتكاثر كل عشرين دقيقة، ما معدله ثلاثة أجيال في الساعة، أو اثنين وسبعين جيل في اليوم، أي ما يزيد على 25000 جيل في السنة، إن وجود كائن بهذه الصفة سيساعد على تأكيد النظرية، في الحقيقة إن هذا الكائن موجود، وهو البكتيريا المسببة للأمراض والفيروسات، ويلاحظ أن هذه الكائنات تتطور بطريقة تقاوم فيها الأدوية المضادة.

الجمعة، 16 أكتوبر 2009

عناصر نظرية التطور (1)


عناصر نظرية التطور (1)
التطور evolution
 التطور يعني ببساطة أن جينات الكائن الحي أو  النوع تتغير مع الزمن، وهذا التغير يعرف باسم الطفرة (mutation)، وتعاقب الطفرات تغير من تركيبة الدنا (D.N.A) مما يؤدي لاحقا إلى إنتاج نوع جديد.
إن هذا يعني أن النباتات والحيونات الموجود اليوم لم تكن موجودة في الماضي بل تحدرت من حيونات ونباتات سابقة ضمن عملية التطور هذه.
لكن ذلك لا يعني أن الكائنات تتطور بنفس المعدل، فبعض الأنواع لم يطرأ عليها تغيير يذكر طوال مئات الملايين من السنين مثل سمك الكيولاكانث (coelacanth) (اسم رتبة)، والبعض الآخر تطورت بصورة متكررة مثل البشر والحيتان.






سمكة من رتبة الكيولاكانث

الخميس، 15 أكتوبر 2009

ما هي نظرية التطور؟

ما هي نظرية التطور؟
What is evolution?
(الفصل الأول من كتاب "لماذا تعتبر نظرية التطور صحيحة")
ما تقوله نظرية التطور يمكن أن يلخص في التالي: إن الحياة على الأرض تطورت تدريجيا من نوع بدئي (بدائي) وجد قبل 3,5 بليون سنة، ثم تفرع ذلك الكائن مع الزمن إلى أنواع جديدة ومتباينة، وآلية أغلب هذه التغيرات التطورية (وليس جميعها) هو الانتخاب الطبيعي.
إن هذا النوع البدائي - الذي بدأت منه الحياة - يمكن أن يكون جزيئا قادرا على تكرار نفسه (self-replicating molecule)، ذلك هو التعريف الذي يقدمه المؤلف، وقد قرأت سابقا أن الباحثين في أصل الحياة أجروا تجارب يحاولون فيها محاكاة الظروف الأولية للأرض من أجل توليد عناصر عضوية أولية، ولعل المؤلف يتحدث عن الأمر في الفصول القادمة.
يقول المؤلف أنه يمكن تقسيم العبارة التي تلخص النظرية (الفقرة الأولى أعلاه) إلى ستة عناصر هي :
1.    التطور (evolution)
2.    التدرجية (gradualism)
3.    التناوع ( أو الانقسام إلى أنواع) (speciation)
4.    الأسلاف المشتركون (common ancestry)
5.    الانتخاب الطبيعي (natural selection)
6.    الآليات العشوائية للتطور (nonselective mechanisms of evolutionary change)
وسأعمل في الإضاءات القادمة على شرح هذه العناصر أو المعالم الستة للنظرية.

الثلاثاء، 13 أكتوبر 2009

نظرية التطور

نظرية التطور

 على المستوى الشخصي لم أحب هذه النظرية كثيرا، لعل السبب في ذلك يعود إلى أنني كنت ميالا دائما إلى العلوم المنطقية جدا مثل الرياضيات والفيزياء، وأيضا لأن هذه النظرية امتلكت سمعة سيئة جدا في الأوساط الاجتماعية، ويبدو أن هذا الصراع حولها تم استيراده إلى الدول العربية كشأن العديد من الأشياء.
 الأخبار الأخيرة عن أحفورة السيدة "أردي" نبهتني إلي شيء مهم وهو أنني جاهل بتفاصيل هذه النظرية، لم أجد فائدة كبيرة من تصفح كتاب أصل الأنواع للسيد دارون، إذ أن لغة الكتاب الأم تبدو معقدة، كما أنني تعلمت مع الزمن أن الكتب العلمية القديمة لا يقرأها إلا المهتمون بتاريخ العلم، وليس العلم.
لبروفسور علم الأحياء الأمريكي جيري ألين كوين كتاب بعنوان "لماذا تعتبر نظرية التطور صحيحة" أو  (Why Evolution is True)، الكتاب صدر هذا العام 2009 عن مطبعة جامعة أكسفورد، وسأعمل على استعراض الكتاب، لن يكون استعراضا للكتاب بالمعني الدقيق ولكن محاولة لعرض النظرية من خلال كتاب كتبه متخصص، ليس في نظرية التطور فقط بل في الدفاع عنها أيضا.

ملاحظة: القراءة ستكون بطيئة قليلا بسبب مشاريع أخرى

الأحد، 11 أكتوبر 2009

نسخة من مجموعة صهيل فرس حروري


الخميس، 8 أكتوبر 2009

احذر ممن يشبهك

احذر ممن يشبهك





(هذه الإضاة لا تخص السواد الأعظم الذائب في الجماعة دون أن تكون له فرادة ما)
في عالم الأفكار يبحث أغلبنا عن المشابهين، مفتشين عن الدعم النفسي، ونشعر بالراحة كلما زاد عدد المتفقين معنا، كما لو كان ذلك يبعث من أعماقنا الكائن القبلي الذي يعتمد في تأمين حياته على عدد أفراد القبيلة وقوتها، ليس في ذلك أي عيب، فحتى تكتسب الاحترام في المجتمعات  الحديثة، يجب أن يكون هناك عدد كاف ممن يشكلون معك جماعة أو تيار، وهكذا يصبح لك صوت مسموع بين الجماهير.
لكن الشبيه كائن خطير، إنه يعلن موتك في كل تأييد، فهو يخدّرك ويجعلك مُستكينا إلى صحة أفكارك، إنه يحولك إلى جندي في حالة استرخاء دائم، وهكذا تصدأ البندقية ويتعفن البارود، يصبح رضى الشبيه مقياسا لصوابك، وكلما زاد عدد المشابهين كلما زادت درجة الصحة.
تحتاج دائما إلى مخالف، لأن المخالف يُبصّرك بعيوبك، ويجعلك في موقع مراجعة دائمة للأفكار، وهكذا فيما أنت تحاول إثبات نفسك أمام المخالفين تعيد صناعة نفسك أمام نفسك.

الثلاثاء، 6 أكتوبر 2009

الشعر على المشية الأخرى

عن مجموعة صهيل فرس حروري قرأت هذه المقالة
-----------------------------------------------------------
ديوان (صهيل فرس حروري):
الشعر على المشية الأخرى

الأمر ليس كما يبدو في دواوين أخرى شعرية، خصوصاً عند النظر في وقع المفردة الشعرية لنتاج الشعر الشبابي، يتقرر هذا عند النظر إلى مجموعة الشاعر العماني عبد الله حمد سعيد، في ديوانه( صهيل فرس حروري) الصادر عن دار الانتشار العربي 2005، الديوان الذي ابتدأه عنوان رئيس واعترضه آخر رئيس أيضاً، قسم الأول عنوان الغلاف(صهيل فرس حروري)، حيث اشتمل العنوان الرئيس ذاته عنوان القصيدة الأولى التي أتت على خمس عشرة صفحة، وقصيدة أخرى بعنوان(يفتقدك اليمام الشمالي)، واشتمل العنوان الآخر(كما ضيع الفجر أفراسه)، بقية القصائد(وطن السكران، ساكنة بطن كوكب كفيها مثل حمامات بيضاء، وثن أزرق، جسد للدهشة..زمن للفجر، امرأة في الحفيف الساخن، مراهنات الشيطان الأسود، تأبط قنينة، لها أنهار الثلج ذائبة، لزمن لا أعرفه..لزمن لا يأتي....)
التجريب لم يطل الشكل الخارجي فحسب بل تدخل في المفردة اللغوية النحوية، حيث يأتي في العنوان لفظ خاطئ نحوياً، ليجعل له هامشاً باللفظ الصواب، وبعض الألفاظ جعلها وقف شطر ثم أحال إلى الهامش بتكملتها، ثم عاد وأكمل القصيدة بعد الإحالة، هذه الإحالة تأتي أحياناً جملة واحدة، وأحياناً شطرا، وأحياناً أخرى عدة أشطر، يقول مثلاً:
سأخرج لم يبق شيء يفسر صمتي
ثم يحيل إلى الهامش حيث التكملة:
عبثاً تدفن رأسك في الرمل/الرمل المفخخ/حيوانات الليل المزروعة فيه بحرص.
هذه الإحالة تأتي بجميع التشكلات في المخاطَب والغائب، والداخلي مثل ما جاء في المقطع السابق وكأنه إعادة للمكتوب الخارجي، وسرده من جديد كمونولوج في الداخل.
في الجزء الأول من الديوان يتداخل التاريخي مع الحاضر، الأسطوري مع الواقعي، لكن في لغة واحدة، وتماسك تام، أما الجزء الثاني الذي أتت فيه القصائد العشر الباقية، فكانت تحكي الواقعي المجرد، بتداخلات الفردي والجماعي، والخاص والمشاع، يقول في (كما ضيع الفجر أفراسه) :
أبحث عن أطفال جهنم
وأحارب وحش الليل بإبرة
يا طفل النار الغامض
يا ابن اللهب الأزرق
دافئة عيناك كخمر سدوم
الشارع كلب العابر
وأنا أعطي خبز جهنم للرفقة

إلا أن سعيد يتجلى كمفرداتي يسبر عمق اللغة، حيث التكثيف في الصورة، واختيار المفردة، إذ قواميسه مشرعة، وألفاظه بين التراثي الغائر في النادر كقوله:
امرأة تملأ عينيّ بمحبرة سوداء
ثم تغط أظافرها في عينيك
لتكتب قصيدة
تشبه طعم اللبأ الناعم
فاللبأ: في اللغة أول الحليب، وغالباً ما يستعمل الحليب بمطلقه، لكن عبدالله كمفرداتي محترف، ألحق اللبأ بالنعومة، وهو ما ناسب أول الحليب لا مطلق الحليب.
الحرفية في التصوير تبدو عالية جداً وشديدة الحساسية، إذ يصل إلى بؤرة الحالة الشعرية، أو التشريح البطيء للحدث، يقول في قصيدته (تأبط قنينة) :
صامتة رجلاك
تبقر بطن اللحظة
يجري دمها الأسود فوق ثيابك
ساعة أن تعرف أن لا شيء
يخبئ عورة هذا العالم عن عينيك

أو في قصيدته (جسد للدهشة..زمن للفجر) :
نساء تعبر كالأسماك ملونة هدأة وحشك
خلف ستائر جس النبض/بعد ثوان من غلق نوافذ كاميرا

المجموعة نتاج ثري، دلائله كثيرة، وسعة التأويل مفتوحة بشدة، والرمزية التي حوت المفردة لم تحل دون وضوح الجملة، هي دلالة كاملة على الممارسة الشعرية المتأنية لعبد الله، وسعة القاموس اللغوي في التصوير، والحدث، والحكاية.




صحيفة الاقتصادية الالكترونية

الاثنين، 5 أكتوبر 2009

الحرية والوعي

الحرية والوعي

لا يتطلع إلى الحرية إلا من يبصر القيد، فالحرية مشروطةٌ بوعي ما، إذ كيف يحلم بالحرية من يرى الرسن حقلا فسيحا، ولذلك لا تظهر الرغبة في الفكاك من الرسن إلا بعد أن يُفهم على أنه عائق عن ارتياد البراري، عوض أن يُفهم على أنه وسيلة للحصول على علف مريح، وهكذا ينظر الوثني إلي وثنه على أنه طريق إلى شيء ما أو منفعة ما، ولا ينظر البتة إلى الأمر على أنه خنوع وتذلل لكينونة ما، وقد يسميها عبودية لكنها عبودية تعني بالنسبة له الحرية كل الحرية، فأنت حر بقدر ما تجهل قيودك، عبد بقدر ما تعيها.
الحرية تأتي مضافا إلى مضاف إليه، لأنها هكذا وحدها لا تحمل معنى عمليا، فالحرية المطلقة كلمة لا وجود حقيقي لها، إلا على المستوى البلاغي، أي بقدر ما تُحيل إلى مبالغة أو حلم، إذ الكائن لا يخلو من قيد، والوعي بالقيد الأكثر قسوة يتملك أؤلئك الذين يرغبون بشدة في هذا الحلم، أي في كسر الشرط الزمكاني للوجود، حيث يتبخر المنطق وتبزع آلهة الأولمب.

السبت، 3 أكتوبر 2009

ماذا يحدث بعد الموت؟


ماذا يحدث بعد الموت؟

يقوم الدم بتخليص الخلايا من ثاني أكسيد الكربون وتزويدها بالأوكسجين، بعد الموت يتوقف الدم عن السريان في الجسد، فيبدأ ثاني أكسيد الكربون بالتراكم في الخلية، محوّلا وسط الخلية إلى وسط حمضي، وفي هذا الوسط الحمضي يتفسخ غشاء اليحلول الذي يحوي الإنزيمات الهاضمة، والتي تخرج كوحوش ضارية لالتهام الخلية، وهكذا يبدأ الجسد بالتهام نفسه.

الخميس، 1 أكتوبر 2009

مجلة آفاق العلم


عدد يوليو-أغسطس 2009 من مجلة آفاق العلم

الثلاثاء، 29 سبتمبر 2009

دفء ينام على شرفة من بياض

دفء ينام على شرفة من بياض

أمد يدي نحو مرج من اللوز
والسنديان الصغيرْ
نحو حقول الأرز المبلل في القلب
ولا شيء يحملنا نحو ضوء المجرة
غير التباسات عشقٍ
ينام كما زهرة من شهيق الندى
تمزقنا قبلةٌ أي شيء يلم النوارسَ
عند اشتعالك كالبحر فوق الضفاف

الأحد، 27 سبتمبر 2009

بحث

بحث

أدرك أنك
في لوزة من كلامٍ
وفي شهقة من مدى
وفي لهفةٍ حين ينمو الحريق على ناهديكِ
ويحترق الشمع في شهوة لا تنام

ابتكار

ابتكار

 سأبتكر امرأة من صدف البحر
               وأمنحها عطرا وقحا
   وأرش على عينيها طنا من أسرار السحرة
ولأني سأموت من العشق
                سأمنحها أيضا                          
                     قلبا يشبه قلب نبي
ولأني أرجع طفلا بين ذراعيها أمنحها
            جبلين من العطف
                وتلا من قلق العشاقْ


الظاهرة عبر المنظومات المفاهيمية المختلفة ... المغيّب في عُمان مثالا



القرية

  كانوا يتحلقون حول الجدة، عيونا مفتوحة وأفواها صغيرة فاغرة، وفي الجو تتلبك رائحة التوجس، قالت الجدة أن تلك التي كانت في العشرين، مثل زهر البوت لم تمت، رغم أنهم على الأكف ساقوها إلى المرقد الأخير، وأن ما حملوه لم يكن سوى جذع شجرة أفلح الساحر في تمويهه، أما هي فكانت ترقب من البعيد عاجزة عن الحركة أو الصراخ خلف شجرة أراك، وبعد أن تمت مراسم الدفن وقفل الجمع إلى القرية، حملها الساحر لتكون ملكا له، مسلوبة الإرادة إلى أن يموت، موته هو خلاصها هي ، لن يطعمها الملح إلى الأبد لأن ذلك سيحررها، شاهدها البعض تعبر المقبرة في منتصف الليل، لمحتها الجدة أمام شجرة أشخر عند الفجر، لجأت أمها إلى الشيخ العارف الذي ناهز المائة، لكنه أحجم عن مساعدتها، قال إن عادت الآن ستكون بلا عقل، أسوأ حالا من رضيع في الشهر الأول ، كان يتوجب عليها أن تتلو آية الكرسي والمعوذات كل ليلة، قالت الجدة حتى نتخلص من الساحر يجب أن نطعمه الزئبق دون أن نترك له فرصة لمس التراب، أخبر الصغار أترابهم في المدرسة الحكاية، وهم يتقمصون دور الجدة، يضيقون حدقاتهم قليلا ويضغطون على شفاههم حين يستدعي السرد ذلك، بعضهم كان يسأل كيف حمل الساحر الجذع والبعض أخبره كمن شهد الواقعة عن الجني الضخم الذي يخدم الساحر، ادعى أحدهم في اليوم الثاني أنه شاهد مغيبا ينظر إليه من النافذة بعد أن هجعت الأعين، في حين ندب صاحبه سرا استغراقه العميق في النوم،،، تلك هي القرية.

الساحر

  في مكان ما، في الساعة الثالثة صباحا ، وفي شيء يشبه الطقس المقدس ، بدأ الحفر ، بعد ساعة استخرج عظاما عليها بقايا متعفنة ، أعاد القبر إلى وضعه ورحل.لقد أمضى سنوات يتقرب فيها إلى العالم السري بمختلف المعاصي والموبقات، وضحى بأحب أقربائه إليه؛ طفلته الحبيبة، بدا دماغه مليئا بقاموس ضخم من الأسماء الغريبة والمخيفة، والطقوس السرية، وعندما ينظر إلى الأشياء فإنه يبصر كائنات لا يبصرها الجهلة .
في ما يشبه مغارة مهجورة بدأ بسحق العظام في نسق شعائري مهيب، وإلى جانبه كانت هناك أوانٍ صغيرة،  بها مواد مختلفة، نباتات وأسماك غريبة وضفادع وأشياء أخرى، بالنسبة لمراقب خارجي هو أشبه شيء بكيميائي حذق من عصور ما قبل التاريخ.
في اليوم التالي يدس شيئا من المستحضر في خف ضحية كان يراقبها منذ أيام بعناية وحذر، فجأة تصاب الضحية بانهيار، بدا جليا أنها تعالج سكرات الموت الآن، يجتمع الأقرباء حول جسدها المتخشب الذي فارق الحياة، ويبدأ البكاء وبالطبع شعائر الدفن التي سريعا ما تنتهي.
لاحقا يعود الساحر بعد أن تهدأ الأجواء، يستخرج كنزه، وقد حانت اللحظة التي يثمن فيها عالم الجن والمردة ولائه، يطعمها من عجينة تسكنها الشياطين، فيبدأ الميت بالعودة إلى الحياة، مهزوزا مشوشا، عندها فقط يصبح ملكا للساحر، عندها فقط يصبح مغيبا.

كيمياء

  يستخدم "الساحر"  مستحضرين، الأول لتحويل الضحية إلى جثة والثاني لإعادتها مسلوبة الإرادة إلى الحياة، بعد فحص مخبري وُجدَ أن المستحضر الأول يضم عدة مكونات، بقايا جثة متعفنة، مسحوق من شجرة الموكونا، جلد ضفدع، وأجزاء من سمك يعرف بالسمك الكروي، وأشياء أخرى ، وبالطبع تختلف هذه المكونات بحسب الجغرافيا، جميع هذه المواد تحوي سموما ، ومواد مهلّسة، ما يهمنا هنا هو السمك الكروي السام،

المصدر
ستكون السموم الأخرى بمثابة مساعد له، يحتوي جسد هذه السمكة على سم عصبي يسمى تترودوكسن (Tetrodotoxin) ، يستهدف هذا السم بعد امتصاص جلد الضحية له قنوات الصوديوم في غشاء الخلية العصبية، ويقوم بسد هذه القناة، أما الأعراض التي تظهر على الضحية فإنها تبدأ بتنمل في الشفاه، وخدر في الوجه ، صداع وتعرق ، ثم فقدان القدرة على الحركة ، وانخفاض في معدل التنفس ودقات القلب إلى أن يصل الجسد إلى حالة التخشب والعجز عن الاستجابة لأي مؤثر خارجي وفي حالات كثيرة يظل الضحية واعيا بما يدور حوله حتى فترة قصيرة جدا قبل الموت ، بالطبع إذا مات الضحية فما من سبيل إلى عودته وهنا تأتي مهارة الساحر في احتساب المقادير حسب التعاليم التي توارثها عن الأجداد.
  بعد أن يستخرج الساحر الضحية من القبر يأتي دور المستحضر الثاني والذي يستخرج من نبتة الداتورا

المصدر

والتي تحوي نوعين من السموم القلوية المعروفة : السكوبولامين (Scopolamine) والأتروبين (Atropine) .يستخدم الأتروبين - والذي هو من نفس عائلة الكوكايين - كترياق ، وخصوصا عندما يتعلق الأمر بالسموم العصبية، هو مستخدم من قبل الجنود الأمريكان كجرعة شخصية (Autoinjectors) في حالة التعرض لأسلحة كيماوية/عصبية .
  إن زيادة الجرعة تؤدي إلى اختلال في النبض، ودوار وغثيان، وتشوش في الرؤية وفقدان التوازن، والهلوسة وزيادة الاستجابة للمثيرات الخارجية ، ومن المعروف أن الأتروبين أيضا علاج لحالات خاصة من تدني مستوى نبضات القلب ، وبالعموم فإنه من الواضح أن هذا السم القلوي ينتج تأثيرات معاكسة لما يولده سم السمك الكروي ذو الطبيعة البروتينية .
أما السكوبولامين فمن المعروف أن الجرعة الطبية الزائدة منه تسبب حالة من الذهول والتخيلات والضلالات بالإضافة ما يعرف طبيا والترجمة لي باضطراب الوعي أو الهذيان (Delirium) وهي حالة من انحدار التركيز وتشوش الوعي وعطب في الذاكرة من أعراضها مثلا انخفاض الخوف من الأخطار الخارجية المحيطة بالإنسان، وتلك أعراض تظهر على المغيب.
إن هذا النوع من السمك - ويا للمصادفة - منتشر في السواحل العمانية، وهو يُدخل الماء أو الهواء في جسده المرن لدرجة التضخم إلى شكل يشبه الكرة، أما نبتة الداتورا الموجودة أيضا هنا في الوطن فتحمل سيقانها كرات خضراء شائكة، تتفجر بالبذور بعد النضج.

قراءات

  يتحدر السحري من أصل أقدم من الديني، لكن بينهما أمور مشتركات، تتعلق على الأرجح بسمات تطورية، يقدم السحري نفسه بلغة دينية، صحيح أنه ينتمي لضفة الأعداء، لكنه يستخدم نفس القنوات الإعلامية ، ويستهدف الشريحة ذاتها، وهو من أجل ذلك يستعير اللغة والمفاهيم ويقعّد لنفسه من نفس المشكاة، هكذا يصبح مفهوما أكثر، لكن الديني لا يكف عن التنصل والاستبعاد بلغة هجائية أحيانا ووعيدية أحيانا أخرى، وهو في كل ذلك يمنحه اعتراف وجود، ويمد وجوده بمسوغات مفهومية، تتكشف علاقة الديني بالسحري عن طبيعة جدلية فمن حيث يثبت وجوده يسحب عنه شرعية الوجود، بالإيجاد أولا والإعدام لاحقا يرسم الديني موقفه المعلن .
  يتقاسم السحري والديني اللغة بصورة مجحفة، فالأول يحصل على الغموض والنبذ والظلمة والخلاء والقبح والأماكن المهجورة والشياطين والجحيم، في حين يحتفظ الديني بالنور والجماعة والحب والصفاء والحفظ والجمال والملائكة والجنة.
  يدعي الساحر قدرته الفائقة في الاتصال بالعالم الغيبي ، قبائل من الجن والشياطين والمردة والعتاة، ويطلع على الأسرار والخفايا، وينسب لنفسه قوة الكلمة التي أثبتها الخالق لنفسه، وإذا كانت المسألة مسألة طقوس يبتكر طقوسه المضادة وأوراده الشيطانية، تجذبه الأماكن المهجورة والمظلمة، السحري يسكن في العتمة، وحينما تكون العتمة تنقص قوة الإبصار وتتشوش الرؤية، مما يعني نقصا في المعطيات، وبالتالي أفقا ثرا للتكهنات الواسعة والتخرصات المُحاكة، وهنا بالتحديد تتفلت الخوافات الجمعية من عقالاتها، يعبر الشعبي عما يؤرقه ، ويستزرع حقلا دائم التفجر ، ويختلط الفضول بالخوف، والفجيعة بالأمنية، وهكذا تغذي علاقة الديني بالشعبي المخيالَ السحري، السحري الذي لا يُظهر نفسه ولا يتكلم عنها أمام الملأ أبدا.
  يلج الكيميائي أرضا شديدة الغرابة، ويعجز عن امتطاء اللغة ذاتها، القادمة من عصور ما قبل الخلق، لا يمكن إدخال جني إلى المختبر، ومزجه بالمحاليل، لا وجود لشيء خارج روابط الطاقة بين السالب والموجب، لا شيء اسمه عالم سري أو روحي، وبين الحدث وأخيه تقبع سببية وحتمية قاهرة، لا تتصرف الذرات كالعفاريت ، ولا تقوم بالمعجزات، ينتمي الكيميائي لفضاء آخر، وقد ينظر إلى معركة السحري والديني بازدراء وتعالٍ، وقد يشكك في الظاهرة ويكذبها، وعندما تنتصب أمامه بعناد يشعر بالقلق، يطرح الأسئلة، ويجري التحاليل، ويفتح كراريسه المطوية بعناية، لأنها إما أن تُقرأ بلغته هو أو يؤرشفها حتى تواتيه اللغة، ذلك أن اللغة الغيبية كما يراها لغة واهمة ومزيفة، هو من علاقات منطقية يبدأ وبنتائج علائقية ينتهي.
  ينأى الديني بلغته، ويرسم مداراته حول الله والشيطان والملائكة والجن والحب والكره والخير والشر والجنة والنار، في حين يستنكف الكيميائي إلى فضاء آخر فيقرأ المادة والفرض والتجربة والنظرية والرابطة والتحول والتفاعل والطاقة.
  ليست القضية هنا هي من يقدم الحقيقة، ليست الحقيقة أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، بل السؤال كيف تلج هذه الظاهرة هذه الأرض أو تلك وبأي معنى تحاط وتقرن، كيف يخترق المغيب شبكات مفاهيمية مختلفة، يقف المغيب أمام بوابة المنظومة المفاهيمية الدينية فيُقرأ بلغة الغيب والإيمان والكفر ويلصق بالجن والملائكة ويعالج بالوحي والرقى النافعة ويفضي إلى التسليم والطمأنينة، أما عندما يتكوم قبالة الكيميائي فيغرس فيه أدوات الاختبار والتحليل ويلخص أبعاده في العلاقة بين جزيئين ويرسم له سيناريو منطقي ويخلص إلى نتائج، بقي أن الشعبي ليس سحريا ولا دينيا ولا كيميائيا بل شيء من هذا وهذا وذاك .