عن مجموعة صهيل فرس حروري قرأت هذه المقالة
-----------------------------------------------------------
ديوان (صهيل فرس حروري):
الشعر على المشية الأخرى
الأمر ليس كما يبدو في دواوين أخرى شعرية، خصوصاً عند النظر في وقع المفردة الشعرية لنتاج الشعر الشبابي، يتقرر هذا عند النظر إلى مجموعة الشاعر العماني عبد الله حمد سعيد، في ديوانه( صهيل فرس حروري) الصادر عن دار الانتشار العربي 2005، الديوان الذي ابتدأه عنوان رئيس واعترضه آخر رئيس أيضاً، قسم الأول عنوان الغلاف(صهيل فرس حروري)، حيث اشتمل العنوان الرئيس ذاته عنوان القصيدة الأولى التي أتت على خمس عشرة صفحة، وقصيدة أخرى بعنوان(يفتقدك اليمام الشمالي)، واشتمل العنوان الآخر(كما ضيع الفجر أفراسه)، بقية القصائد(وطن السكران، ساكنة بطن كوكب كفيها مثل حمامات بيضاء، وثن أزرق، جسد للدهشة..زمن للفجر، امرأة في الحفيف الساخن، مراهنات الشيطان الأسود، تأبط قنينة، لها أنهار الثلج ذائبة، لزمن لا أعرفه..لزمن لا يأتي....)
التجريب لم يطل الشكل الخارجي فحسب بل تدخل في المفردة اللغوية النحوية، حيث يأتي في العنوان لفظ خاطئ نحوياً، ليجعل له هامشاً باللفظ الصواب، وبعض الألفاظ جعلها وقف شطر ثم أحال إلى الهامش بتكملتها، ثم عاد وأكمل القصيدة بعد الإحالة، هذه الإحالة تأتي أحياناً جملة واحدة، وأحياناً شطرا، وأحياناً أخرى عدة أشطر، يقول مثلاً:
سأخرج لم يبق شيء يفسر صمتي
ثم يحيل إلى الهامش حيث التكملة:
عبثاً تدفن رأسك في الرمل/الرمل المفخخ/حيوانات الليل المزروعة فيه بحرص.
هذه الإحالة تأتي بجميع التشكلات في المخاطَب والغائب، والداخلي مثل ما جاء في المقطع السابق وكأنه إعادة للمكتوب الخارجي، وسرده من جديد كمونولوج في الداخل.
في الجزء الأول من الديوان يتداخل التاريخي مع الحاضر، الأسطوري مع الواقعي، لكن في لغة واحدة، وتماسك تام، أما الجزء الثاني الذي أتت فيه القصائد العشر الباقية، فكانت تحكي الواقعي المجرد، بتداخلات الفردي والجماعي، والخاص والمشاع، يقول في (كما ضيع الفجر أفراسه) :
أبحث عن أطفال جهنم
وأحارب وحش الليل بإبرة
يا طفل النار الغامض
يا ابن اللهب الأزرق
دافئة عيناك كخمر سدوم
الشارع كلب العابر
وأنا أعطي خبز جهنم للرفقة
إلا أن سعيد يتجلى كمفرداتي يسبر عمق اللغة، حيث التكثيف في الصورة، واختيار المفردة، إذ قواميسه مشرعة، وألفاظه بين التراثي الغائر في النادر كقوله:
امرأة تملأ عينيّ بمحبرة سوداء
ثم تغط أظافرها في عينيك
لتكتب قصيدة
تشبه طعم اللبأ الناعم
فاللبأ: في اللغة أول الحليب، وغالباً ما يستعمل الحليب بمطلقه، لكن عبدالله كمفرداتي محترف، ألحق اللبأ بالنعومة، وهو ما ناسب أول الحليب لا مطلق الحليب.
الحرفية في التصوير تبدو عالية جداً وشديدة الحساسية، إذ يصل إلى بؤرة الحالة الشعرية، أو التشريح البطيء للحدث، يقول في قصيدته (تأبط قنينة) :
صامتة رجلاك
تبقر بطن اللحظة
يجري دمها الأسود فوق ثيابك
ساعة أن تعرف أن لا شيء
يخبئ عورة هذا العالم عن عينيك
أو في قصيدته (جسد للدهشة..زمن للفجر) :
نساء تعبر كالأسماك ملونة هدأة وحشك
خلف ستائر جس النبض/بعد ثوان من غلق نوافذ كاميرا
المجموعة نتاج ثري، دلائله كثيرة، وسعة التأويل مفتوحة بشدة، والرمزية التي حوت المفردة لم تحل دون وضوح الجملة، هي دلالة كاملة على الممارسة الشعرية المتأنية لعبد الله، وسعة القاموس اللغوي في التصوير، والحدث، والحكاية.
صحيفة الاقتصادية الالكترونية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق